
الدجاجة والبيضة، من أتى قبل الآخر؟
قطعا لن نتحدث عن الدجاج والبيض، لا، لكن عن المواطنة والسياسة، والعلاقة بينهما، ومن ينبغي لها أن تخدم الأخرى، وهل الفساد في احداها سيؤدي بالضرورة لفساد الأخرى؟ إنها جدلية تبدو عقيمة كجدلية الدجاجة والبيضة.
عندما تستمع لأي سوري اليوم ستجد أنه يخوض في السياسة التي كان ممنوع عليه التحدث فيها في الأمس القريب ، حق ليس بوسعك انكاره لمن احس أخيرا أنه حر ، لكن ماذا عن المواطنة ؟ هل نتحدث بشأنها و عما إذا كان الأجدر أن نعيد تعريفها قبل الخوض في السياسة ؟
ليس بوسع أي سوري أن يفهم المواطنة بمفهومها الكوني وتحديدا الغربي لأنه ببساطة لم يزاول السياسة، أو على الأقل لم يزاول الجزء من السياسة الخاص بالمواطن، أقصد أنه لم ينتخب يوما بشكل فعلي، ولم يعترض يوما بشكل جدي ومجدي، واقتصرت مشاركته في الحياة العامة على عدد محدود من المظاهركاظهار الولاء والتخندق خلف السلطة في كل ما تقول وتفعل، والتظاهر مع الجموع الغفيرة في الساحات العامة كلما اشتدت المؤامرة الكونية حدة،
من هنا يبدو أن مصطلح المواطنة كما السياسة هما مصطلحان جديدان كليا على الانسان السوري البسيط، وهما مصطلحان يخطلتان بقدر ما اختلطت عليه رؤية الحالة الجديدة ما بعد الثامن من ديسمبر٢٠٢٤، ورغم ذلك فأنا مقتنع أن مفهوم المواطنة لا السياسة هو المفهوم الأكثر فطرة، والأقرب إلى فهم السوريين دون عناء، إنه يشبه لقيا شيء ثمين كنت تعتقد أنك فقدته إلى الأبد، لذلك سيبدو سليما الاعتقاد أن المواطنة هي الشئ الفطريّ الذي يجب أن ينمو لدى جميع السوريين قبل أي شيء آخر.
وهنا يتضح لنا أن المواطنة هي الدجاجة التي تأتي قطعا قبل البيضة،
اختلاط المشهد على الجميع بعد سقوط النظام، سيشاغب على أي رؤية واضحة للمواطنة، من كانوا مواطنين من الدرجة الأولى لدى النظام، باتو يحسون أنهم مدرجون على قوائم الخونة، وبعض من كانوا محشورين في زاوية ضيقة من الوطن باتوا يحسون بالقوة والسلطة، ومفاسد السلطة آتية إليهم لا محالة، إلا من رحم ربي، ومن كانوا شتاتا تائها يرزح تحت نير الحياة اليومية القاسية، بقوا شتاتا تائها يرزح تحت نير الحياة التي لم تتحسن سريعا، والمعارضين الأشاوس الذين منّوا على الشعب السوري بضنك ما عانوه، شعروا بالخذلان لأنهم لم يتلقوا دعوة رسمية للاحتفال بالنصر فوق جثة الوطن، فصيل هنا و طائفة هناك و ماذا بعد؟
فأي مواطنة هي التي ننشدها لكي نلبسها هذا الوطن الممزق؟
الجواب واضح، وعلى الجميع تبنيه، إنها المواطنة المجردة المتجردة من كل الملوثات التي كانت تقتلها منذ
العام ١٩٦٣، منذ أن قتل العسكر والبعثيون وآل الأسد إحساس المواطنة فينا، منذ أن استشرت ثقافة الفساد في البلاد والعباد، إنها مواطنة ينبغي لها أن تقوم على المبني للمجهول، بغض النظر عن نتائج هذا المجهول، فالمقدمات الصحيحة ستأتي قطعا بنتائج صحيحة، هذا هو طوق النجاة الوحيد،
قد تبد كوصفة رومانسية مثيرة للسخرية، خصوصا أن الطيف الواسع من المتشائمين سوف لن يتحمس أبدا بسبب الحالة المرضية التي تملكتهم وهي تشبه إلى حد كبير حالة المريض الذي يوصي أهله قبل عمل جراحي قائلا أنا ميت لا محالة، بينما يخرج ويشفى ويحس بخيبة الأمل فقط لأنه لم يكن محقاً،
لهؤلاء يجب أن نوضح الحقيقة التاريخية التي تنصف هكذا أفكار رومانسية، هل عرفتم في التاريخ يوما امبراطورية نشأت ولم يكن وراء نشئتها فكرة رومانسية؟ بدئا من روما، مرورا بالإسلام، وليس انتهاءاً بأميريكا، الجواب لا،
ونحن لا نطلب الكثير، فقط مجرد إحساس بالمواطنة التي قد تكون المنجى،
وهنا تأت البيضة، أنها مشاركة سياسية فاعلة ومتزنة تنبع من الإحساس بالمواطنة، أي المسؤولية المدفوعة بالحب نعم، حب الوطن أرجو المعذرة!
نحن السوريون كنا نشعر بالخجل من التغني بحب الوطن، لأن الوطن يومها كان يعني لنا الرجل الذي ملأت صوره الساحات والجدران، لقد كنا نغني له تخيل؟ كنا نغني لسرطان اللوكيميا الذي استولى على مفاصل البلد،
لكن ليس اليوم،
إذا كانت المواطنة تعني شيئا ما غير الوطن، فسوف لن تصب في صالحه وصالحنا، وإذا كانت السياسة والاشتغال بها سوف لن يخدم المواطنة والمواطن الذي نطمح أن نكونه يوماً، فدعك منها، من الأفضل حينها أن تكون خائنا بجدارة.
عندما خان الماغوط وطنه، كان يخون وطن الجدران الملئى بصور السيد الرئيس، لقد كان خيار المواطنة المتخفية بالخيانة، وعندما أراد ونّوس أن يتنفس بعض الوطن، غامر برأس المملوك جابر، وعندما أراد الناس حصتهم من الوطن، تندروا بالنكات التي لم يفهمها إلاهم، من منا لم يستمع لنكتة ما حول السيد الذي كان قابعا في قصر المهاجرين؟ نكتة لم يعرف مطلقها يوما، هذه كلها أشكال من المواطنة والسياسة التي حاولوا قتلها في الإنسان السوري و لم يفلحوا،
أرجوكم لا تدعوهم يفلحون الآن بعد أن رحلوا.
ياسر السيد
٢٩ آب ٢٠٢٥
Leave a comment